التحرير الثاني : لبنان عاش نصرالله

التحرير الثاني : لبنان عاش نصرالله



بيروت ـ من وسام أبو حرفوش: احتفل لبنان امس بعرس التحرير الثاني بعودة اسراه من السجون الإسرائيلية في عملية تبادل معقدة تكللت بنصر «من عند الله» كما جاء على لسان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله خلال لقائه ذوي المحررين قبل وصولهم الى مطار بيروت.

وكان نصر الله «رئيس» الانتصار الذي حققه لبنان باسترداد اسراه، استقبل المحررين جنبا الى جنب مع رؤساء الجمهورية اميل لحود، البرلمان نبيه بري والحكومة رفيق الحريري، في مطار بيروت الدولي، الذي تحول أمس «عاصمة» لحدث استثنائي لبناني - عربي.

فعند الساعة السابعة وعشر دقائق مع هبوط ليل أمس، اطلت «شمس الحرية» مع الطائرة الألمانية المدنية التي حطت في مطار بيروت وعلى متنها 32 أسيرا (22 لبنانيا و10 عرب) كانوا أمضوا أعواما طويلة في السجون الإسرائيلية، في اطار أكبر


صفقة تبادل بين «حزب الله» واسرائيل بعد مفاوضات رعتها المانيا واستمرت نحو 40 شهرا من «القتال» بالشروط والشروط المضادة.

وكان في مقدمة الأسرى المحررين الذين اطلوا على الطوفان البشري الذي جاء لاستقبالهم الشيخ عبدالكريم عبيد والحاج مصطفى الديراني، وعند نزولهم عزفت موسيقى الجيش اللبناني الأناشيد احتفاء بـ «الزوار» العائدين بعدما طال غيابهم خلف القضبان الاسرائيلية، وكان لافتا انهم استقبلوا على طريقة «الرؤساء» وفرش لهم السجاد الأحمر.

وبدا المشهد في مطار بيروت وخارجه اشبه بـ «كرنفال» فرح ودموع، اختلطت فيه الدولة والثورة,,, رؤساء ووزراء ونواب وشخصيات سياسية، وبعثات ديبلوماسية، اضافة الى عمائم «حزب الله» ورموزه وممثلين عن حلفائه والعلامة الفارقة كانت استبعاد الحزب الشيوعي عن الدعوة الرسمية، وتاليا الحضور لاستقبال احد أسراه انور ياسين.

وكان المشهد انسانيا ومؤثرا مع استقبال الأهالي لاسراهم في صالون الشرف، الذي استضاف «الحدث المشرف»، فالمحررون ارتموا في أحضان اقاربهم، وسط الزغاريد والمفرقعات والأعلام «الراقصة»، مما حول الحدث عرسا حقيقيا.

وضاقت الطرق المؤدية الى مطار بيروت بالناس، وأخذت الجموع شكل تضاريس الشوارع، فاستغرق انتقال موكب الأسرى، بحراسة عناصر من الحزب، الى الاحتفال الشعبي في الضاحية الجنوبية نحو ساعة بسبب الزحمة الاستثنائية.

واللافت ان الأسرى العرب انتقلوا بعد هبوط الطائرة في مطار بيروت الى أحد فنادق العاصمة، على ان يغادروا اليوم الى بلادهم وهم من جنسيات سورية وسودانية ومغربية وليبية.

واذا كان الاحتفال الرسمي في مطار بيروت ضخما، فإن الاحتفال الشعبي في احد مقار «حزب الله» في الضاحية كان اضخم حيث اعدت ترتيباته اللوجستية باتقان بالغ الدقة، ووضع على منصة الأسرى 19 كرسيا، واحد خصص لصورة سمير القنطار الذي ما زال قيد الاعتقال، ووعد نصر الله باطلاقه خلال شهرين أو ثلاثة أشهر.

وتجدر الاشارة الى ان لبنان سيكون اليوم على موعد مع تشييع رفات نحو 60 مقاوما كانت سلمتهم اسرائىل أمس الى اللجنة الدولية للصليب الأحمر على الحدود الدولية ويتسلمهم لبنان اليوم، حيث ستجري عملية التعرف على الجثامين قبل تسليمهم الى ذويهم.

وبانتهاء المرحلة الأولى من الصفقة اليوم يبدأ العمل بـ «سيناريوات» المرحلة الثانية، التي من المتوقع ان تكون صعبة للغاية وأشد ايلاما، بالنسبة الى اسرائىل التي اضطرت الى دفع ثمن باهظ لقاء تسلمها جنودها الثلاثة أمس جثثا اضافة الى العقيد المتقاعد الحنان تننباوم.

وتشكل معادلة سمير القنطار (عميد الأسرى) ورون اراد (الملاح الاسرائيلي المفقود في لبنان) مفتاح المرحلة الثانية من المفاوضات، التي من المتوقع ان تتسع دائرتها لتشمل ايران خصوصا، اضافة الى «حزب الله» وسورية واسرائيل.

اما على الصعيد اللبناني، فإن صفقة تبادل الأسرى بين «حزب الله» واسرائيل ونجاحها سيفتتح الباب امام نقاش يتناول هذا الحدث من زاويته الاقليمية، كعامل «انفتاح» سوري - ايراني مع الوقائع الجديدة في المنطقة، ما يؤشر الى اتجاهات جديدة في المنطقة، خصوصا بعد الوساطة التركية بين سورية واسرائيل، وملاقاة ايران للولايات المتحدة في العراق.

وثمة ما سيطرح في بيروت مصير «حزب الله» وسلاحه ومستقبل الوضع في الجنوب، انطلاقا من انه «خدم عسكريته » وكفى بعد تحرير الجنوب وتحرير الأسرى.

الا ان الموقف الرسمي الذي عبر عنه الرئيس اللبناني اميل لحود، يعكس اتجاها ثابتا للدولة، اذ اكد خلال استقباله للأسرى في المطار «ان هذه العودة هي البرهان القاطع على صوابية المطالبة بالحق والتمسك به توصلا الى تحقيق الأهداف الوطنية العليا، فضلا عن كونها استكمالا للانجاز التاريخي الذي تجلى بتحرير القسم الأكبر من الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي الذي أتى ثمرة التلاحم بين الجيش الوطني والمقاومة والشعب، بالتلازم مع البعد الاستراتيجي الذي تمثله علاقات الاخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين الشقيقين لبنان وسورية».

واذ اعتبر ان المواقف اللبنانية اتت جامعة لجهة الترحيب بهذا الانجاز الكبير رأى انه «مرة جديدة، يتأكد للقاصي والداني ان المقاومة من أجل استرجاع الأرض هي ارادة لبنانية جامعة، ومظهر من مظاهر الوحدة الوطنية التي هي أساس بناء الحاضر والمستقبل للبنانيين»، لافتا الى ان «المواكبة العالمية الداعمة لهذا الانجاز الوطني اليوم، ما هي الا اعتراف بشرعية المقاومة، ما دام ابناؤها هم من هذه الأرض، يدافعون عن حقوقها، ويلتزمون المواثيق والشرائع الدولية، ويطالبون بتنفيذها».

الى ذلك، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون مساء امس ان عملية تبادل الأسرى مع حزب الله «اخلاقية وعادلة» خلال مراسم اقيمت في تل ابيب مع وصول رفات ثلاثة جنود اسرائيليين خطفوا في اكتوبر العام 2000 عند الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية.

واوضح شارون: «لقد درسنا جميع المعطيات وفي النهاية فإن مشاعرنا اليهودية هي التي حملتنا على المضي قدماً في هذا الاتفاق».

وقال شارون في حفل التأبين قبل لف نعوش الجثث الثلاث بالعلم الإسرائيلي: «دولة اسرائيل لن تسمح لأي عدو او منظمة ارهابية بأن تحول عمليات الخطف وطلب الفدية الى نظام», وأضاف: «لدينا وسائل اخرى لم نستخدمها بعد لكن اذا تكررت الظروف لا قدر الله فلن نتردد في استخدامها».